يوسف أيوب

حماس تلعب للفوز بمكانة لدى ترامب 

السبت، 06 مايو 2017 11:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل يومين، خرج خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، على شاشة قناة cnn الأمريكية، للترويج لوثيقة الحركة التى تم الإعلان عنها الأسبوع الماضى فى الدوحة، لكن المهم فيما قاله مشعل هو دعوته إدارة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، بأن تتعظ من المقاربات السابقة «الخاطئة» مع الاحتلال الإسرائيلى، معتقدًا أن وثيقة حماس أعطت فرصة لترامب بأن يلتقط الموقف الإيجابى الحمساوى والفلسطينى والعربى، وقال: «ترامب قد يعطى فرصة جيدة، ولديه هامش أكبر من الجرأة، ويستطيع أن يحدث تغييرًا فى التعامل مع الصراع العربى- الإسرائيلى».
 
قبل الحديث عن تداعيات هذه الوثيقة فإننى بداية أودّ التأكيد على أن هذه الوثيقة ليست بجديدة، فهى موجودة منذ أكثر من عامين تقريبًا، بعد انحسار دور جماعة الإخوان فى المنطقة، وتراجع مكانة حماس، وتغير وضعها التى فقدت الكثير من نفوذها وقوتها الشعبية، بعد ارتمائها فى أحضان قطر، وبروز الخلافات الداخلية ما بين حماس الداخل، وحماس الخارج، ومطالبة قيادات غزة بدور، خاصة مع ظهور إسماعيل هنية متشددًر فى مواجهة خالد مشعل ورجاله.
 
كل ذلك دفع حماس إلى محاولة قراءة الوضع الإقليمى من جديد، فانتهت إلى هذه الوثيقة، لكن أجلت الإعلان عنها لحين اختيار الوقت المناسب لها، مع إعطاء الفرصة للحكومتين القطرية والتركية لقراءة الوثيقة ومراجعتها قبل إعلانها رسميًر، وربما أيضًا عرضها على أطراف دولية لجس نبضهم، ومن بين هذه الأطراف الولايات المتحدة وإسرائيل أيضًا، حيث تنتشر فى الكواليس معلومات بأن الأتراك هم من تولوا التواصل مع الإسرائيليين لعرض الوثيقة عليهم منذ عدة أشهر تقريبًا.
 
اختارت حماس التوقيت الذى تعتبره من وجهة نظرها مثالى للإعلان عن الوثيقة، قبل يومين من اللقاء الذى جمع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، بالرئيس دونالد ترامب، وكأنها تبعث برسالة لإدارة ترامب أنها موجودة، ويمكن الارتكان إليها فى عملية التفاوض الجديدة، خاصة مع وجود تسريبات عن نية ترامب فى عقد قمة إقليمية فى واشنطن يوليو المقبل، بحضور أطراف عربية وإسرائيلية للإعلان عن تفاصيل خطة المفاوضات المستقبلية، لذلك أرادت حماس أن تحجز لنفسها مكانًا، ليس فى هذه القمة، وإنما فى المستقبل بعمومه.
 
يضاف إلى ذلك أن حماس ترى الوضع الكارثى الذى تعيشه السلطة الفلسطينية حاليًا، والصراعات الداخلية وفشل أبو مازن فى السيطرة على الوضع، فطرحت حماس هذه الوثيقة لتقول للعالم إنها البديل المناسب لأبو مازن، الذى زاد خصومة بسبب أفعاله وتصرفاته، ليس على الساحة الفلسطينية بوجه عام، وإنما داخل حركة فتح بوجه خاص.
ولا ننسى أيضًا المكان الذى اختارته حماس للإعلان عن الوثيقة، وهو العاصمة القطرية الدوحة، فلا يعقل أن تعلن الحركة عن شىء دون علم السلطات القطرية، وتدخل وتخطيط منهم أيضًا، بما يؤكد وجود ترتيبات جديدة تسعى لها قطر وتركيا بمساعدة حماس.
 
كل ما سبق مرتبط بالشكل، أما من حيث مضمون الوثيقة، فبداخلها الكثير الذى يحتاج لقراءة متأنية، علنًا نعرف الطريق الذى تسلكه الحركة، وأهمها أن الحركة أدخلت للمرة الأولى تعديلًا على برنامجها السياسى، ووافقت على إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، مشدّدةً على الطابع السياسى غير الدينى للنزاع مع إسرائيل، وهو ما يمكن اعتباره المدخل الجديد من جانب حماس ليكون لها وجود فى أية مفاوضات دولية مرتبطة بحل القضية الفلسطينية، ويرتبط ذلك بما قاله خالد مشعل، بعد الإعلان عن الوثيقة، بأنه يأمل بأن تقوم إدارة ترامب بـ«تحرّك أكثر جدية من أجل القضية الفلسطينية وبأن تُغيّر المفاهيم الخاطئة عن الشعب الفلسطينى»، موجهًا رسالته الواضحة لواشنطن وهى أن «حماس حركة متجددة تتطور فى فكرها السياسى».
 
التطور ظهر فى أمر مهم جدًا، ربما انتبهت له كل وسائل الإعلام الغربية، لأنه يعبر عن نهج جديد فى تاريخ الحركة التى نص ميثاقها الصادر فى 1988 على تدمير إسرائيل، لكن الميثاق الجديد تجاهل هذه الجزئية، وهو ما علق عليه مشعل فى مؤتمره الصحفى، بقوله إن ميثاق الحركة الذى يدعو إلى تدمير إسرائيل «صدر عام 1988، ونحن فى 2017 نصدر الوثيقة، وكلّ واحد منهما يعبّر عن مرحلة، لسنا بصدد «القول إنّ» هذه تلغى الآخر»، وهو رد يحمل فى طياته الكثير من المعانى، لكن أقربها بطبيعة الحال أنه يقول إن الماضى أصبح منسيًا، ومن الممكن القبول بما هو جديد، وهذا الجديد كما قالت الوثيقة «إنّ إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التى أخرجوا منها، هى صيغة توافقية وطنية مشتركة»، وهو تغيير منهجى فى فكر وعقيدة الحركة، حتى وإن جاء متناقضًا مع بنود أخرى فى الوثيقة، لكن فى النهاية فإن حماس أرادت أن تخاطب الجميع وتراضى كل طرف، تراضى الأمريكيين والإسرائيليين والأوروبيين بالقبول بشكل الدولة الذى أعلنت عنها السلطة الفلسطينية، وفى نفس الوقت تقول للفلسطينيين والشعوب العربية، إنها لا تزال الحركة المقاومة، التى لن تتخلى عن السلاح فى مواجهة إسرائيل، وحتى تقيم الدولة الفلسطينية الكبرى.
 
 
وفى اعتقادى أن تخلى الحركة عن فكرة «تدمير إسرائيل» هى مجرد بداية لتنازلات أخرى ستقدمها الحركة، حتى تكون موجودة فى أية أفكار أو تحركات مستقبلية.
 
إذن الوثيقة فى مضمونها موجهة للجميع، وكل منهم يقرأها كيفما شاء، المهم أن يرضى الجميع على حماس، وبالتأكيد هى لعبة جرى الإعداد لها كثيرًا حتى تصل الوثيقة إلى هذا الشكل النهائى، لكنى أعتقد أن الوثيقة ستكون ضارة بحماس، وستصيبها فى مصداقيتها ومكانتها المهتزة أساسًا فى فلسطين والوطن العربى.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة